الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

السحور أحكامه الفقهية، وحكمه التربوية لفضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي

السحور  أحكامه    الفقهية،    وحكمه  التربوية
فضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي
1- حكمة السحور:
فرض الله علينا الصيام ؛ كما كتبه على الذين من قبلنا من أهل الكتاب؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:183].
فكان الوقت والحكم على وفق ما كُتِبَ على أهل الكتاب: أن لا يأكلوا ، ولا يشربوا، ولا ينكحوا بعد النوم؛ أي: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة ، وكتب ذلك على المسلمين.
فلما نُسِخَ سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب:
عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «فَصْلُ ما بين صومنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»([1]).
2- الأمر بالسحور:
لذلك أمر رسول لله صلى الله عليه وسلم من أراد الصوم بالسحور؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن يصوم؛ فليتسحَّر بشيء»([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «تسحروا؛ فإن في السحور بركة»([3]).
وأشار الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: أن الأمر هنا للندب والاستحباب بإجماع أهل العلم([4]).
قلت: ويعكر على هذا الإجماع أمور؛ منها:
أ- الأمر بالسحور، ولا صارف للأمر عن الوجوب.
ب- كونه فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ، ومخالفتهم واجبة.
ت- اجتماع هذه الفضائل الكثيرة في السحور.
ث- عدم الإذن بتركه ولو أن يجرع جرعة من الماء.
3- السحور بركة:
عن سلمان -رضي الله عنه-؛ قال: قال صلى الله عليه وسلم: «البركة في ثلاثة: الجماعة، والثريد، والسحور»([5]).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل البركة في السحور، والكيل»([6]).
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر؛ فقال: «إنها بركة أعطاكم الله إياها؛ فلا تدعوه»([7]).
وكون السحور بركة ظاهر؛ لأنه اتباع للسنة،ويقوي على الصيام، وينشط الرغبة في الازياد منه؛ لخفة الشقة على الصائم، وفيه مخالفة لأهل الكتاب؛ فإنهم لايتسحرون ؛ لذلك سماه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: الغذاءالمبارك؛ كما في حديثي العرباض بن سارية وأبي الدرداء -رضي الله عنهما-: «هلم إلى الغداءالمبارك: يعني السحور»([8]).
4- إن الله وملائكته يصلون على المستحرين:
ولعل من أعظم بركات السحور: أن الله -سبحانه وتعالى- يشمل المتسحرين بمغفرته،ويسبغ عليهم رحمته، وملائكة الرحمن تستغفر لهم ، وتدعو الله أن يعفو عنهم ؛ ليكونوا عتقاء الرحمن في شهر القرآن.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ؛ قال: قال صلى الله عليه وسلم: «السحور كله بركة ؛ فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء ؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين»([9]).
فينبغي أن لايفوت المسلم هذا الأجر العظيم من رب رحيم ، وأفضل السحور: التمر ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم السحور المؤمن التمر»([10]). فمن لم يجد ؛ فليحرص أن يتسحر ولو بجرعة من ماء لما سبق ذكره ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا ولو بجرعة ماء»([11]).
5- تأخير السحور:
ويستحب تأخير السحور إلى قبيل الفجر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت -رضي الله عنهما- تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى ، وكان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية من كتاب الله .
عن أنس -رضي الله عنه- عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-؛ قال: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم،ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كات بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين أية» ([12]).
6- قراءة القرآن وقت السحور:
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الحديث السابق: «من عادة العرب تقدير أوقاتهم بأعمالهم، قدر حلب شاه، فواق ناقة [الزمن الذي بين الحلبتين]، قدر نحر جزور، فعدل زيد إلى التقدير بالقراءة إشارة منه -رضي الله عنه- إلى أن ذلك الوقت وقت عبادة، وعملهم التلاوة والتدبر»([13]).
7- واعلم يا عبدالله -أرشدك الله- أنه يجوز لك الأكل والشرب والجماع ما زلت شاكاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً في طلوع الفجر ولم تتبيّن، فقد بين الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم حد التَّبَينُّ؛ فَتَبَينَّ، ولأنه جل شأنه عفا عن الخطأ والنسيان وأباح الأكل والشرب والجماع حتى التبَينُّ، والشاك لم يَتَبَيَّن ؛ لأن التَّبَيُّنِ يقين لا مرية فيه؛ فَتَبَيَّنَ. وقد بين الشارع الحكيم أن الفجر فجران:
أ- الفجر الكاذب: هو لا يُحِلُّ صلاة الصبح، ولا يُحَرِمُ الطعام على الصائم.
2- الفجر الصادق: وهو الذي يحرم الطعام على الصائم، ويحل صلاة الفجر.
عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما ؛ قال:قال رسول الله صلى عليه وسلم: «الفجر فجران: فأما الأول ؛فإنه لا يحرم الطعام، و لا يحل الصلاة، وأما الثاني؛ فانه يحرم الطعام، ويحل الصلاة»([14]).
واعلم يا رعاك الله أن:
أ- الفجر الكاذب: هو البياض المستطيل الساطع المصعد كذنب السرحان([15]).
ب- الفجر الصادق: هو الأحمر المستطير المعترض على رؤوس الشعاب والجبال، المنتشر في الطرق والسكك والبيوت ، وهذا هو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة .
عن سمرة -رضي الله عنه- ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير»([16]).
وعن طلق بن علي -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر»([17]).
واعلم أيها الموافق إلى طاعة ربه: أن أوصاف الفجر الصادق هي التي تتفق والآية الكريمة: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فإن ضوء الفجر إذا اعترض في الأفق على الشعاب ورؤوس الجبال ظهر كأنه خيط أبيض ، وظهر من فوقه خيط أسود هو بقايا الظلام الذي ولى مدبراًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًً .
فإذا تبين لك ذلك ؛ فأمسك عن الأكل والشراب والنكاح ، وإذا كان في يدك كأس من ماء أو شراب ؛ فاشربها هنيئاًًًًًًًًًًًًًًً مريئاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً؛ لأنها رخصة عظيمة من أرحم الراحمين على عباده الصائمين ، ولو سمعت النداء:
قال ×: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده؛ فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» ([18]).
والمقصود بالنداء: أذان الفجر الثاني للفجر الصادق بدليل الزيادة التي رواها أحمد وابن جرير الطبري وغيرهما عقب الحديث: «وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر» .
ويشهد لهذا المعنى ما رواه أبو أمامة -رضي الله عنه- ؛قال: «أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم ، فشربها»([19]).
فثبت أن الإمساك عن الطعام قبل طلوع الفجر الصادق بدعوى الاحتياط بدعة محدثة
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «من البدع المنكرة: ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس ، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت –زعموا-فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة؛ فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المست عان»([20]).

([1]) أخرجه مسلم.

([2]) «صحيح الجامع الصغير» (5881).

([3]) أخرجه الشيخان.

([4]) «فتح الباري» (4/139).

([5]) «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (1045).

([6]) «صحيح الجا مع الصغير» (1731)

([7]) «صحيح الترغيب والترهيب» (1061).

([8]) «صحيح الترغيب والترهيب» (1060,1059).

([9]) «صحيح الجامع الصغير» (3577).

([10]) «صحيح الترغيب و الترهيب» (1064).

([11]) «صحيح الترغيب والترهيب» (1063).

(12) أخرجه البخاري ومسلم.

([13]) «فتح الباري» (4/ 138).

([14]) أخرجه ابن خزيمة، والحاكم وله شاهد عند الحاكم بإسناد صحيح عن جابر -رضي الله عنه-، وآخر عند أبي شيبة في «المصنف» عن ثوبان –رضي الله عنه- فالحديث ثابت صحيح، ولله الحمد والمنة على الإسلام والسنة.

([15]) أي: الذئب.

([16]) أخرجه مسلم.

([17]) «صحيح الجامع الصغير» ( 4382).

([18]) أخرجه أبو داود وابن جرير الطبري في «التفسير» والحاكم والبيهقي وغيرهم، وله شواهد كثيرة جمعها وخرجها شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (3/381-384).

([19]) أخرجه ابن جرير الطبري بإسنادين عنه؛ فالحديث حسن.

([20]) «فتح الباري» (4/199).

المصدر: ..: منتديات منهاج الرسول السلفية :..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق