السبت، 28 أغسطس 2010

دعوة صادقة إلى الساكتين عن بيان الحق / للشيخ أبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان حفظه الله

قال الشيخ أبو عبد الأعلى خالد بن محمد:
"وكوننا نقول: إن العلامة ربيع –حفظه الله- صار علمًا على المنهج الحق، هذا لا يستلزم أننا نقول بعصمته، أو أننا نرفع لمرتبة النبوة، كما يتشدق بعض الجهال.
وكوننا نقبل كلام العلامة ربيع في التبديع والتوثيق للرجال والطوائف، لا يعني هذا التحزب له كما قال هذا الجائر الصائل (ص12): "وصارت هذه المجموعة حزبا فوضويًّا يقلد الشيخ ربيعا في آرائه ومواقفه، فمن بدَّعه ربيع فهو المبتدع، ومن أثنى عليه ربيع فهو السلفي، وإن كانوا يقولون: إنهم ضد التحزب ..".
أقول: نحن نبرأ إلى الله من التحزب وأهله، فإن الله أمرنا بسؤال أهل الذكر، فلا يعني قبول كلامهم التحزب لهم، فليست الفوضوية في اتباع العلماء، بل الفوضوية في البعد عنهم.
والشيخ ربيع لا ينفرد بمواقفه من المبتدعة العصريين كما سبق بيانه مرارًا، وليأتونا بشخص واحد قد انفرد الشيخ ربيع بتجريحه، وكذا ليأتونا بشخص واحد قد انفرد الشيخ ربيع بالثناء عليه، هذا بجانب كون الشيخ ربيع لا يبدع ولا يوثق إلا بناء على أدلة واضحة، فطلبة العلم الذين يحسنون فهم الأدلة والتمييز بينها، يوافقون الشيخ ربيعًا بناء على ما أتى به من أدلة، فهم في واقع الأمر متبعون للدليل الصحيح، وحتى إن لم يصل إدراك الطالب وفهمه إلى معرفة الأدلة والترجيح بينها، فاتبع علماء السنة بغير معرفة الدليل، فهذا لا يقتضي بأي حال من الأحوال أنه متحزب لهم، وهذه أقوال أحمد، وابن معين ، وشعبة، وسفيان، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والبخاري، وغيرهم من أئمة الجرح والتعديل في الرجال والطوائف من توثيق وتضعيف وتبديع مبثوثة في كتب الجرح والتعديل، ونحن نأخذ بها، فهل قال أحد من العقلاء: إن من يأخذ بقول هؤلاء الأئمة في تجريحهم لبعض الرجال، أنه متحزب لهم؟!.
وقوله (ص12،13 ):"وصاروا يمتحنون كل الدعاة وأهل الصلاح بأسئلة معينة، فمن نجح في الامتحان عندهم فهو سلفي، ومن أخطأ داخل في دائرة التصنيف التي أخف دركاتها قولهم:"غامض، متلون، غير واضح".
ثم قال:"أما هم فيسمون أنفسهم بالسلفيين ويخرجون كل المخالفين لهم، أو لشيخهم ربيع المدخلي من مُسمى السلفية".اهـ
قلت: سبحان الله، ما هذا البهتان؟ وما هذه الجرأة على اتهام العلماء بالجور وعدم الإنصاف والفوضوية؟
إن العلماء السلفيين قاطبة –ليس الشيخ ربيع وحده- يوالون ويعادون في اعتقاد السلف ومنهجهم، فلنا يخالف بعض الدعاة المنسوبين إلى السلفية هذا المنهج –وقد سبق في الفصول السابقة تقديم نماذج عديدة من مخالفات هؤلاء- ففي هذه الحالة لا يسع العلماء –خاصة علماء الجرح والتعديل- إلا الاستفسار من هؤلاء الدعاة عن هذه المخالفات المنهجية التي تدخل في حيز البدع والأهواء، فإن رجعوا عنها إلى حظيرة المنهج السلفي، فهذا هو المراد، وإلا فليس هناك مناص من التحذير منهم نصحًا للمسلمين، وعلى هذا جرى عمل السلف الصالح من امتحان كل من اشتغل برواية الحديث أو بتعليم المسلمين إذا ظهر من أحدهم ميل للأهواء وأهلها، صيانة لعقائد العامة، فعلماء الجرح والتعديل هم السياج الحامي الذي يصون هذا الدين من التحريف الذي حدث في الشرائع السابقة، ولولا جهود هؤلاء العلماء ما لبث الناس فترة إلا وقد صاروا أسوأ حالا من اليهود والنصارى، بسبب تخريب المبتدعة، ولكن الله سخر هذه الثلة من أهل العلم لحفظ الدين كما وعد سبحانه.
فلما يقوم بعض هؤلاء الدعاة وطلبة العلم المنتسبين للسلفية أمثال عبد الرحمن عبد الخالق، وسلمان العودة، وسفر الحوالي –وغيرهم ممن يعتبرهم بعض الشباب رموزًا وأعلامًا- بالانتصار لمثل سيد قطب وكتبه، وقد بان لنا ما فيها من طامات وبدع لا يماري فيها إلا معاند بالباطل أو مبتدع1 فلا جرم أن يتصدى العلماء الكبار لهم يحذرونهم من نشر هذا الباطل، وإلا ألحقوا بأصحاب الأهواء، وإن كانوا ما كانوا من قبل.
وبالطبع لا تروق هذه الطريقة لبعض الشباب بسبب تعمية منهج السلف عليهم في هذا الشأن، وتصوير الأمر على أن اختيار الدعاة وطلبة العلم بهذا الأسلوب ليس من هذا السلف، وهذا من الجهل والتلبيس فهاهي بعض الأمثلة المشرقة لمواقف السلف الحاسمة تبرهن على ما ذكرت:
قال عبد الله بن أحمد في السنة (46): حدثني هارون بن عبد الله الحمال حدثني إبراهيم بن زياد سبلان قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي: لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر، فلا يمر بي أحد من الجهمية إلا سألته عن القرآن فإن قال: إنه مخلوق، ضربت رأسه ورميت به في الماء2 .

وقال الآجري في الشريعة (165) حدثنا الحسن عن علي الجصاص قال: ثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي –رحمة الله عليه- وذكر القرآن وما يقول حفص الفرد، وكان الشافعي يقول:القرد، وناظره بحضرة وال كان بمصر، فقال في المناظرة: كفرتَ والله الذي لا إله إلا هو، ثم قاموا، وانصرفوا، فسمعتُ حفصا يقول: أشاط وايْم الذي لا إله إلا هو الشافعي بدمي3.

وفي ترجمة أبي داود السجستاني من طبقات الحنابلة (1/160) قال القاضي أبو يعلى: أخبرنا عبد الصمد الهاشمي قراءة أخبرنا الدارقطني حدثنا عثمان بن إسماعيل بن بكر السكري قال:سمعت أبا داود يقول لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود:"المرء بخدنه".
وقال العقيلي في "الضعفاء" (1/232 ): ثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال : حدثنا خلف بن تميم قال: كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح.
قلت: وكان الحسن بن صالح يرى رأي الخوارج.
قلت: هاهم أربعة من فحول علماء السلف يمتحنون غيرهم في شأن الأهواء ومجالسة أهلها.
وقد مرت القرون السابقة وفي كل قرن منها طائفة من علماء السلف صاروا علما على المنهج الحق، فمن والاهم وأحلهم كان هو السني السلفي، ومن أبغضهم أو أبغض واحدا منه كان هو المبتدع وصاحب الهوى.
ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/308) قال: نا محمد بن علي بن سعيد النسائي قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه على الطريق.
وقال: سمعت أبي يقول: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة.
وقال: سمعت أبا جعفر محمد بن هارون المخرمي المعروف بالفلاس يقول: إذا رأيت الرجل يقع في حمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع ضال.
وفي (1/316 ) قال: سمعت محمد بن هارون الفلاس المخرمي يقول: إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنه كذلي يضع الحديث وإنما يبغضه لما يبين أمر الكذابين.
وأنا كذلك أقول: إذا رأيت الرجل يقع في العلامة ربيع بن هادي فاعلم أنه صاحب هوى، وإنما يبغضه لما يبين أمر أصحاب البدع والأهواء.
وذكر أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام"(5/112) حال عمرو بن عبيد المعتزلي البصري، وبيَّن تحذير الأمة منه –نحو مالك، وابن المبارك- رحمهما الله – ثم خص بالذكر أبا بكر أيوب بن كيسان السختياني البصري، فقال: إن الله سلطه على عمرو بن عبيد " فهتك أستاره، وأظهر عواره، وسماه باللعنة، وألحق به بلاء تلك الفتنة، وهو الذي يقول قتيبة بن سعيد: "إذا رأيت الرجل من أهل البصرة يحب أيوب، فاعلم أنه على الطريق"، وقال رجل لأحمد بن حنبل –رحمه الله-: من السني؟ قال: من أين أنت؟ قال: من أهل البصرة، قال: أتحب أيوب السختياني؟ قال: نعم، قال: فأنت سُني".اهـ
قلت: وكذلك سلط الله سبحانه ربيع بن هادي على سيد قطب فهتك أستاره، وأظهر عواره ... وألحق به بلاء تلك الفتنة، فمن أحب ربعًا فاعلم أنه على الطريق، واسأل دعاة الصحوة –أو أدعياء الدعوة- : أتحبون ربيع بن هادي؟ فإن قالوا: نعم، فهم السنيون، وإن تلعثموا وتلونوا أو تبجحوا فصرحوا ببغضهم وعداوتهم لربيع، غففر منهم فرارك من المجذوم." [انتهى].

قد فرغت بحول الله وقوته من تسويد مقال الشيخ خالد بن محمد بن عثمان والذي عنون له بـ"باب دعوة صادقة إلى الساكتين عن بيان الحق" وقد استقيته من كتابه الماتع "دفع بغي الجائر الصائل على إمام الجرح والتعديل وعلى المنهج السلفي وأئمته بالباطل".
فلتكن كتاباتنا وأقوالنا وأعمالنا في خلواتنا وجلواتنا وفي سرنا وعلانيتنا مقصودًا بها وجه الله، لا نبتغي بها عوضًا من حطام الدنيا، أو علوًّا في الأرض ولا فسادًا، بل تكون أسمى من أن تكدرها هذه الحواجز الرجعية الفاسدة الممقوتة، إنشادا للحق وقياما بنصرته ومن يدعو إليه ومؤازرته، والقيام على من ناوأه بالنصح والبيان إن نفعت الذكرى، أو بالزجر والتتريب والتحذير والتنكيل إن عاند وتنكر؛ كل بحسبه، فمن هذا المنطلق القويم تتحقق عبودية الله، وتكون كلمته هي العليا، وكلمة الكفر والضلال والبدع هي السفلى، أما التواني والتخاذل عن نصرة الحق وأهله، سِيَما وقد لاحت علائمه، وبرز فرسانه بحجة البيان والسنان، فتورع بارد، هذا إن وقف حال من ذكرنا عند هذا الحد، أما إن تجاوزه حتى طعن ونفر من الذين يؤمون الحق في أنفسهم ويقولون به وبه يعدلون؛ فقد مضت سنة الأولين والذين اتبعوهم بإحسان بجرد الأسنة في هتك أستارهم، والتشريد بهم أينما وجدوا في الهند والسند، والعمل على كشف بواطلهم وأوابدهم ولا كرامة.

حاشيـــــــــــــــــة:

1 وكذا الانتصار لمثل حزب الإنقاذ الجزائري وتصوير إثارتهم للفتن على أنه جهاد، والانتصار للفرق الضالة: الإخوان والتبليغ، وسائر الأحزاب الإسلامية، وقد سبق بيان حال هؤلاء باستفاضة في الفصول السابقة فارجع إليها لتدرك مدى خطورة الانتصار لمثل هؤلاء بل وتلبيس الأمر على الشباب بنسبة أفعال هؤلاء التخريبية إلى المنهج السلفي، وكذا انتقاصهم الخفي والمعلن من العلماء الكبار أمثال ابن باز، والألباني، والشنقيطي، ورميهم بالفظائع التي أدت إلى أن يفقد الشباب الثقة في هؤلاء العلماء، والله المستعان.

2 أثر صحيح : أخرجه أبو بكر النجاد في "الرد على من يقول القرآن مخلوق" (106)، والآجري في الشريعة (157)، أبو نعيم في الحلية (9/7) من طريق إبراهيم بن زياد به، وأخرجه بنحوه أبو داود في مسائله (1722)، ومن طريقه الآجري (158) عن عبيد الله القواريري عن ابن المهدي به.

3 أثر صحيح: وأخرجه اللالكائي في أصول الإعتقاد (421)، والبيهقي في الكبرى(10/43،206) من طريق الربيع بنحوه.

من منتديات منهاج منهاج الرسول السلفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق