الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

التحذير من كتب أهل البدع للشيخ سليم بن عيد الهلالي

التحذير من كتب أهل البدع
إن منهج السلف الصالح في التعامل مع كتب المبتدعة وأهل الأهواء؛ هو التحذير منها، وترك النظر فيها، ووجوب إتلافها.
إن ترك هذه الكتب المليئة بالبدع والخرافات سبيل لبثِّ البدع والضلالات بين الناس، وبخاصة أن أصحابها يزينونها بأسلوب حسن وكلام مزخرف؛ ليسهل رواجها، وتنطلي على العوام.
ولذلك؛ فإن اتباع ما كان عليه السلف في معاملتهم مع هذه الكتب؛ هو سبيل النجاة، وطريق الحياة للوقاية من جذام أهل البدع، والبعد عن شر البدع.
والأصل في هذا الباب ما ثبت سعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب وقال: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق؛ فتكذبوا به، أو بباطل؛ فتصدقوا به، والذي نفسي بيده؛ لو أن موسى -عليه السلام- كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني»([1]).
وإليك كلام السلف الصالح في هذا الباب.
قال الإمام ابن خزيمة في الكلام في الأسماء والصفات: «بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين -مثل: مالك، وسفيان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ويحيى بن يحيى، وابن المبارك، ومحمد ابن يحيى، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف- يتكلمون في ذلك، وينهون عن الخوض فيه، ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة، فإياك والخوض فيه والنظر في كتبهم بحال»([2]).
قال أبو منصور معمر بن أحمد([3]): «ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء؛ أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف([4]) من السلف المتقدمين والبقية من المتأخرين...»، إلى أن قال:
«فأقول -وبالله التوفيق-: ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة، وهي مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله -تبارك وتعالى-».
قال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: «سلام بن أبي مطيع من الثقات، حدثنا عنه ابن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معيب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة! أعطني ذاك الكتاب، فأعطاه، فأخذه سلام، فأحرقه. قال أبي: وكان سلام من أصحاب أيوب وكان رجلاً صالحاً»([5]).
وعن الفضل بن زياد: أن رجلاً سأله عن فعل سلام بن أبي مطيع؟ فقال لأبي عبد الله: أرجو أن لا يضره ذاك شيئاً -إن شاء الله-، فقال أبو عبد الله: «يضره!! بل يؤجر عليه إن شاء الله»([6]).
وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله -يعني:س أحمد بن حنبل- عن الكرابيسي وما أظهر؟ فكلح وجهه، ثم قال: «إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها؛ تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب»([7]).
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: استعرت كتاباً كاملاً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. قال المروذي: قال أبو عبد الله: «يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر منها أشد التحذير»([8]).
وعن حرب بن إسماعيل؛ قال: سألت إسحاق بن راهويه، قلت: «رجل سرق كتاباً من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال: يرمي به. قلت: إنه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه، قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة؛ فاستعرته منه فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء»([9]).
وقال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا تجوز الإجارة في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتباً ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك، وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك»([10]).
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم: «وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام، والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً»([11]).
وقال -أيضاً-: «ووجدت في كتب بعض أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي -رحمه الله- مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان وترك النظر في موضع بدعهم والتمسك بمذهب أهل الأثر . . . وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين.
وترك النظر في كتب الكرابيسي، ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه»([12]).
وقال نعيم بن حماد: «أنفقت على كتبه -يعني: إبراهيم بن أبي يحيى- خمسة دنانير، ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر، وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته؛ فعرفت، فقلت: هذا رأيك؟! قال: نعم. فحرقت([13]) بعض كتبه؛ فطرحتها»([14]).
قال الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزٍي: «الفصل الحادي عشر: في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب؛ لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.
اعلموا -رحمنا وإياكم الله سبحانه-: أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط؛ لعموم البلاء، وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت، والمعتمد فيهم قد عزّ، ومن يبيع دينه بعرض يسير أو تحبباً إلى من يراه قد كثر، والكذب على المذاهب قد انتشر؛ فالواجب على كل مسلم يحب الخلاص أن لا يركن إلى أحد ولا يعتمد على كل كتاب، ولا يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة...
فمن رام النجاة من هؤلاء، والسلامة من الأهواء؛ فليكن ميزانه الكتاب، والأثر -في كل ما يسمع ويرى، فإن كان عالماً بهما عرضه عليهما- واتباعه للسلف.
ولا يقبل من أحد قولاً إلا طالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح.
وليحذر تصانيف من تغير حالهم؛ فإن فيها العقارب، وربما تعذر الترياق»([15]).
وقال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البرذعي: «شهدت أبا زرعة -وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر؛ فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب.
قيل له: في هذه الكتب عبرة!
فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة؛ فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟‍‍‍! هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم ... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع!»([16]).
قال الذهبي معلقاً: «وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كـ «القوت» لأبي طالب، وأين مثل «القوت»! كيف لو رأى «بهجة الأسرار» لابن جهضم، و«حقائق التفسير» للسلمي؛ لطار لبه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في «الإحياء» من الموضوعات؟!
كيف لو رأى «الغنية» للشيخ عبد القادر! كيف لو رأى «فصوص الحكم» و«الفتوحات المكية»؟!
بلى؛ لما كان الحارث لسان قوم في ذلك العصر، كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس، وابن شحانة كان قطب العارفين ؛كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة. آمين»([17]).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: «ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثة في الدين بدعة»([18]).
وقال في ردّه على ابن عقيل: «أما هو وحزبه من أهل الكلام؛ فما ذكرهم إلا ذمهم والتحذير منهم، والتنفير من مجالستهم، والأمر بمباينتهم وهجرانهم، وترك النظر في كتبهم»([19]).
وقال ابن مفلح: «وذكر الشيخ موفق الدين -رحمه الله- في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم»([20]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومن هذا الباب: سماع كلام أهل البدع، والنظر في كتبهم لمن يضره ذلك، ويدعوه إلى سبيلهم وإلى معصية الله»([21]).
وقال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-:
«يا من يظن بأننا حفنا عليـ ـهم كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها حذراً عليك مصائد الشيطان
فشباكها والله لم يعلق بها من ذي جناح قاصر الطيران
إلا رأيت الطير في قفص الردى يبكي له نوح على الأغصان
ويظل يخبط طالباً لخلاصه فيضيق عنه فرجة العيدان
والذنب ذنب الطير خلى الثـ ـمرات في عالٍ من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الـ فضلات كالحشرات والديدان
يا قوم والله العظيم نصيحة من مشفق وأخ لكم معوان»([22]).

قال الشيخ محمد خليل هراس -رحمه الله-: «ولا يظنن أحد أننا نتجنى على القوم أو نتهمهم بغير الحق؛ فتلك كتبهم تخبر عنهم كل من ينظر فيها، وتشهد عليهم شهادة صدقها، فليقرأها من شاء؛ ليتأكد من صحة ما نسبناه إليهم، لكنا مع ذلك ننصح كل أحد أن لا يقرأ هذه الكتب؛ حتى لا يقع في حبائلها، ويغره ما فيها من تزويق المنطق وتنميق الأفكار؛ لاسيما إذا لم يكن ممن رسخ في علوم الكتاب والسنة قدمه، ولا تمكن منهما فهمه، فهذا لا يلبث أن يقع أسير شباكها، تبكيه نائحة الدوح على غصنها، وهو يجتهد في طلب الخلاص؛ فلا يستطيع، والذنب ذنبه هو، حيث ترك أطيب الثمرات على أغصانها العالية حلوة المجتنى طيبة المأكل، وهبط إلى المزابل وأمكنة القذارة يتقمم الفضلات؛ كما تفعل الديدان والحشرات.
وما أروع تشبيه الشيخ -رحمه الله- حال من وقع أسير هذه الكتب وما فيها من ضلالات مزوقة، قد فتن بها لبه، وتأثر بها عقله؛ بحال طير في قفص قد أحكم غلقه؛ فهو يضرب بجناحيه طالباً للخلاص منه؛ فلا يجد فرجة ينفذ منها؛ لضيق ما بين العيدان من فرج.
وما أجمل -أيضاً- تشبيهه لعقائد الكتاب والسنة بثمرات شهية كريمة المذاق على أغصان عالية، بحيث لا يصل إليها فساد، ولا يلحقها تلوث، وتشبيهه لعقائد هؤلاء الزائغين بفضلات قذرة أطمعة عفنة ألقيت في إحدى المزابل، فلا يأوي إليها إلا أصحاب العقول والفطرة المتنكسة»([23]).
وقال الذهبي -رحمه الله- بعد أن ذكر بعض كتب أهل الضلال؛ كرسائل إخوان الصفا وأمثالها: «فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز؛ فليلزم العبودية، وليدمن الاستعانة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام، وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق»([24]).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن -في أثناء كلامه على الأشاعرة-: «فصنف المتأخرون من هؤلاء على مذهبهم الفاسد مصنفات؛ كالأرجوزة التي يسمونها: جوهرة التوحيد؛ وهي إلحاد وتعطيل، لا يجوز النظر إليها، ولهم مصنفات أخر نفوا فيها علو الرب -تعالى-، وأكثر صفات كماله نفوها، ونفوا حكمة الرب -تعالى-»([25]).
وقال صديق حسن خان: «ومن السُّنة هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين والسُّنة، وكل محدثة في الدين بدعة، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم في أصول الدين وفروعه؛ كالرافضة، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمرجئة، والكرامية، والمعتزلة، فهذه فرق الضلالة وطرائق البدع»([26]).

............................................
([1]) أخرجه أحمد (3/387) وغيره، وهو حسن.
([2]) «الاستقامة» (1/108).
([3])«الحجة في بيان المحجة» (1/231-242).
([4])مراده: أهل الزهد والورع.
([5]) «العلل ومعرفة الرجال» (1/253-254).
([6]) «السنة» للخلال (3/511).
([7]) «شرف أصحاب الحديث» (6/6).
([8]) «هدية الأريب الأمجد» (ص 38).
([9]) «السنة» (3/511).
([10]) «جامع بيان العلم» (2/943-944).
([11]) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (1/197-202).
([12]) المصدر السابق (1/180).
([13]) هلا تنبه هؤلاء الذين يطيرون كتب المبتدعة والضلال الذين غَيَّروا وَبَدَّلوا، ويطرحونها أرضاً؟!! ويتمسكون بكتب الكبار، الكبار وعضوا عليها بالنواجذ، وساروا، عليها ودعوا إليها؟! والله الموعد.
([14]) «ميزان الاعتدال» (1/61).
([15]) «رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الصوت والحرف» (ص 231-234). وكأنه يكلم أهل زماننا، وفيه إشارة إلى أن الحق والباطل في صراع دائم وحرب ضروس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
مصداق قوله- عليه الصلاة والسلام- المتواتر: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك».
([16]) «كتاب الضعفاء» ضمن كتاب: «أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية» (2/561-562).
([17]) «ميزان الاعتدال» (1/431).
([18]) «لمعة الاعتقاد» (ص 33).
([19]) «تحريم النظر في كتب الكلام» (ص41).
([20]) «الآداب الشرعية» (1/232).
([21]) «مجموع الفتاوى» (15/336).
([22]) «الكافية الشافية» (ص180).
([23]) «شرح نونية ابن القيم» (1/360-361).
([24]) «سير أعلام النبلاء» (19/238-329).
([25]) «الدرر السنية» (3/209-210).
([26]) «قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر» (2/175).

المصدر: ..: منتديات منهاج الرسول السلفية :..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق